تحل اليوم ذكرى معركة بدر الكبرى ذكرى جليلة عظيمة على القلوب والنفوس ذكرى عظيمة لدى من في قلبه ذرة من إسلام ..
معركة بدر الكبرى.. هو حدث تاريخي عظيم مشهود فرّق الله فيه بين الكفر والإسلام شكّل بدايات تأسيس الدولة الإسلامية وسجل أولى انتصاراتها الرائعة في زمن هو الآخر له مكانته العظيمة في قلوب الإسلام والمسلمين خصه بالعظمة والصوم ونزول القرآن وخصه بليلة خير من ألف شهر ، إنه شهر رمضان المبارك الذي قال عنه تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ). ۚ
وقد شكل انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى فاتحة الانتصارات في شهر رمضان؛ شهر الفتوحات والانتصارات فقد انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الشرك.
وقعت غزوة بدر في صبيحة يوم الجمعة 17/ رمضان / 2هـ، وكان موقعها في أرض بدر، وهي محطة لمرور القوافل المتجهة إلى الشام والعائدة إلى مكة المكرمة، وكانت تمثل سوقاً من أسواق العرب المشهورة ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء.
أسبابُها:
وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحبُاَبُ بن المنذر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأخذ برأيه بعد الإذن بالجهاد في العهد المدني، بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالاً عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، صخر بن حرب، فانتدب النبي، صلى الله عليه وسلم، أصحابَه للخروج، وتعجل بمن كان مستعدًا للخروج دون انتظار سكان العوالي لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش. قال البدوي رحمه الله :
فبدر الكبرى لعير صخـــر آئبة من شامها بالكثـــر
واعتقبوا في ذلك المسير كل ثلاثة على بعيـــــــر
ولم يكونوا اوعلوا للحرب إذ ماغزوا لغير نهب الركب
وقد خرج من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، منهم من الأنصار بضع وأربعون ومائتان .
ولم يكن معهم إلا فرسان، وثمانية سيوف وسبعون بعيراً يتعاقبون على ركوبها.
قال البدوي :
وليس عندهم من السيوفِ
غيرُثمان للعدا حتـــــــوفِ
ولامن الخيل سوى اثنتين
وقد كفتهم أهبة التمكيــن
وقد علم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فاستعدّت قريش للخروج دفاعاً عن قافلتها، وحشدت كلَّ طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك حطا لمكانتها، وامتهانا لكرامتها، وضربا لاقتصادها، وبلغ عددهم نحو ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس يقودونها.
الوقائع التي سبقتها :
ظهرت الخلافات في جيش المشركين بعد نجاة القافلة بين مريد للعودة دون قتال المسلمين حتى لا تكثر الثأرات بين الطرفين، وبين مصرّ على القتال كأبي جهل، قال البدوي :
ولوطاعواعتبة أوحكيــما
أو ابن وهب مارأوا أليمـا لكونهم إلى القفول أرشدوا
من بعدما أشفوا على ماوردوا
فقال عمرو وبأنفه شمَخ
ثانية سحر عتبة انتفـخ
واستنشد ابن الحضرمي الشعرا
فحش حربا بينهم وثأرا
وقد غلب رأي أبي جهل أخيرا، ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها. ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه عامة، وقصد الأنصار خاصة فتكلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، والمقداد بن عمرو من المهاجرين، فقالوا وأحسنوا، وفهم سعد بن معاذ رضي الله عنه مراد النبي صلى الله عليه وسلم فقال وأحسن فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد بن معاذ رضي الله عنه .
بداية المعركة:
وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحُبابُ بن المنذر رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورته وأخذ برأيه. وبيّن صلى الله عليه وسلم مصارع رجال من أهل بدر بأسمائهم، فقال: ( هذا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا إن شَاءَ الله تَعَالى، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ غَدًا إن شَاءْ الله تَعَالى). في صبيحة يوم المعركة جعل صلى الله عليه وسلم جيشه في صفوف للقتال، وبقي صلى الله عليه وسلم (في العريش) - بمشورة سعد بن معاذ - يدير المعركة،
قال البدوي :
وابن معاذ مبتني العريش
وحارس النبي من قريش
وجعل صلى الله عليـه وسلم يكثر من دعاء ربه، حتى سقط رداؤه، فأتاه أبو بكر، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدة لربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ» ، فخرج وهو يقول: « سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُر ».
ورمى صلى الله عليه وسلم في وجوه المشركين بالحصى، قال تعالى: « وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ » ، فأثبت سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ابتداء الرمي، ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميه صلى الله عليه وسلم. وبدأت المعركة بتقدم عتبة بن ربيعة، وتبعه ابنُه الوليد، وأخوه شيبة طالبين المبارزة، فخرج لهم شباب من الأنصار، فرفضوا مبارزتهم طالبين مبارزة بني عمومتهم، فأمر صلى الله عليه وسلم عليا بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم ، فقتل حمزةُ عتبةَ، وقتل عليٌّ شيبةَ، وأثخن عبيدةُ والوليدُ كل واحد منهما صاحبَه، ثم مال عليٌّ وحمزة على الوليد فقتلاه، واحتملا عبيدة، وتأثرت قريش بنتيجة المبارزة، وبدأت الهجوم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه برمي المشركين بالنبل إذا اقتربوا من المسلمين ودنوا.
فانهزمت قريش، وكانت خسارتها فادحةً، فالقتلى سبعون والأسرى سبعون كذلك ، لأنه لما التقى الجيشان في ملحمة كبيرة، أمد الله سبحانه وتعالى المسلمين بالملائكة يوم المعركة، قال تعالى: « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ » .
واختلف العلماء هل شاركت الملائكة في القتال بالمعركة فقيل إنها شاركت وهذا ما جلب النصر للمسلمين حيث الفروق الشاسعة بين الجيشين في العدد والعدة ، وقال قول لم تشارك لقوتها وهذا القول ضعفه البدوي بقوله " قيل " وهي كما هو معلوم تأتي للتضعيف ، وهذا ما أشار إليه البدويُّ بقوله :
وقيل لم تشارك الملائكـــة
إذ ريشة منهم لقوم مهلكة
وأما حضورهم للمعركة
فمحل التّفاق .
وكان لواءالشرك يوم بدر بيد النضر بن الحارث ، فلما قتل أخذه عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير ، فقتل النضر وأسر عزيز .
قال بعضُهم :
لواء أهل الشرك يوم بدر
كان لدى ابن حارث النضر
وبعده كان اللوا لدى عزيز
نجل عميرصنو مصعب العزيز
وبعد المواجهة قُتل من المشركين سبعون رجلاً، منهم الذين بَيّنَ صلى الله عليه وسلم مصارعهم من أهل بدر بأسمائهم قبل المعركة، ما أخطأ أحد منهم الموضع الذي حده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل، عمرو بن هشام، قتله معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء وهما غلامان، وأجهز عليه عبد الله بن مسعود وقيل قتله عبدالله بن مسعود وهو قول ضعيف ، وأمية بن خلف، قتله وابنه عليًا بلال بن رباح، مع فريق من الأنصار وغيرهم. وأمر صلى الله عليه وسلم بسحب قتلى المشركين إلى آبار ببدر، فألقوا فيها، وكان عدد الأسرى من قريش سبعون رجلاً، وفرّ بقية المشركين، لا يلوون على شيء، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة، ودفن صلى الله عليه وسلم شهداءَ المسلمين، وهم أربعة عشر شهيدًا.
النتائج:
أصبحت شوكة المسلمين قوية، وأصبحوا مرهوبين بين قبائل الجزيرة واليهود والقبائل العربية كلها، وتعزَّزت مكانة الرَّسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعد المشكِّكون في الدَّعوة الجديدة، والمشركون في المدينة يتجرَّؤون على إظهار كفرهم، وعداوتهم للإسلام؛ لذا ظهر النِّفاق، والمكر، والخداع، فأعلنوا إسلامهم ظاهرًا أمام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وازدادت ثقة المسلمين بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ودخل عددٌ كبير من مشركي قريشٍ الإسلام، وقد ساعد ذلك على رفع معنويات المسلمين الذين كانوا لا يزالون في مكَّة، فاغتبطت نفوسهم بنصر الله، واطمأنَّت قلوبهم إلى أن يوم الفرج قريب، فازدادوا إيمانًا على إيمانهم، وثباتًا على عقيدتهم.
و تعدُّ غَزوة بدر رغم صغر حجمها معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، ولذلك سماها الله عز وجل بيوم الفرقان، قال تعالى: « وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ» ، ففرق بها سبحانه وتعالى بين الحق والباطل؛ فأعلى فيها كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه
وحزبه .قال البدوي :
يوم له مابعده في الكفر
وقد أتى منوهافي الذكر
بأنه العذاب واللـــــزام
وأنه البطش والانتقام
وانه أدى إلى الشهـاده
وهي قصارى الفوز والسعادة
وأشار البدوي هنا إلى أن الله تبارك وتعالى ذكر هذه الغزوة في القرآن وسماها الفرقان وفصٌلها تفصيلا ولم يفصل في القرآن _ حسب علمي المتواضع _ إلا غَزوة بدر أو المواريث ففصّل المواريث في ثُمنٍ واحدٍ هو : «
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ... » وفصّل غَزوة بدر في ثمانية أثمانٍ ، وهذا ما يدل على عظمتها .
هاشتاك غزوة بدر الكبرى
قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى