الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وبعد فإن الله تعالى خلق الإنسان بيده وصوره بحكمته ونفخ فيه من روحه، وجعله كائنا اجتماعيا يحتاج لغيره في حياته، لا يمكنه أن يحيا في عزلة عن محيطه وبئته، ومن هنا كان الإنسان محتاجا لأصدقاء يأنس بمخالطتهم، ويستعين بمصاحبتهم في رحلة العمر التي يحسبها طويلة ولو كانت قصيرة.
وقد اعترف الإسلام بهذه الحاجة فأقرها وحض على حسن اختيارها؛ لتتجاوز مستوى العادات إلى معنى العبادات.
وسأقف معكم إخوتي الشباب في هذه العجالة لأعالج هذا الموضوع من خلال محورين:
المحور الأول التحذير من قرناء السوء.
المحور الثاني الترغيب في اختيار الأصدقاء الطيبين.
بعدهما خاتمة.
المحور الأول التحذير من قرناء السوء
يقول الله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم﴾ ويقول تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة﴾ ويقول تعالى: ﴿ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسن خذولا﴾صدق الله العظيم.
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء، فإنها عامة في كل ظالم، كما قال تعالى: ﴿يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا﴾ فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم، ويعض على يديه قائلا: يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا يعني: مَن صرَفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلالة من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف، أو أخوه أبي بن خلف، أو غيرهما. انتهى كلام ابن كثير.
ويقول تعالى: ﴿الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين﴾ قال الطبري: المتخالون يوم القيامة على معاصي الله في الدنيا، بعضهم لبعض عدو، يتبرأ بعضهم من بعض، إلا الذين كانوا تخالَّوا فيها على تقوى الله.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي» أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود.
وقال بعض البلغاء: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار.
وقال علي كرم الله وجهه: شر الأصدقاء من أحوجك إلى المداراة، وألجأك إلى الاعتذار.
وفي الحكم العطائية: لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله.
ويقول الشاعر الحكيم:
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
المحور الثاني: الترغيب في اختيار الأصدقاء الطيبين
قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ ويقول تعالى: ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا﴾.
قال السعدي في تفسيره: في هذه الآية الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء؛ فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى.
وفي الحديث المتفق عليه في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "رجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه"
وأخرج مالك في الموطإ ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة أين المتحابون لجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»
قال ابن عبد البر: ومن كان في ظل الله عز وجل سَلِمَ من هول الموقف وشدته وما يلحق الناس فيه من القلق والضيق والعرق.
وقال رجل لداود الطائي: أوصني، قال: اصحب أهل التقوى؛ فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم لك معونة.
الخاتمة نسأل الله حسنها
أخرج الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والترمذي وأبو داود عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالط» وفي رواية: «من يخالل»
وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة» أخرجه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي: وفي هذا الحديث فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجوره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
وعليه: فإن لصحبة أهل الخير والعلم والحكمة عظيم نفع للعبد الصالح وإن لم يبلغ مبلغهم، وكما قيل: من جالس جانس.
قسم تحرير الأخبار وصناعة المحتوى