"الحجاب" قراءة معاصرة-محمد عبد الله

بادئ ذي بدء، ينبغي التنبيه إلى أن الحجاب كان موجودًا في الملل السابقة كاليهودية والنصرانية، ثم جاء القرآن فألغى فرضيته كتشريع عام، وأقرّ مبدأ مراعاة العرف. فاللباس – بما فيه الحجاب – يخضع أساسًا لاعتبارات العرف، والذوق العام، والطقس. فقد تسمح أعراف وقوانين بعض الدول بلباس معيّن للمرأة لا تسمح به دول أخرى؛ فاللباس المقبول في فرنسا مثلًا قد لا تسمح به أعراف السعودية، والعكس صحيح. كذلك قد يفرض الطقس نوعًا من الملبس؛ ففي أجواء البرد الشديد أو الحر الشديد يختار الإنسان ما يناسب الظروف المناخية.

 

وفيما يتعلق بالعُرف وضرورة التزام المرأة به في لباسها، يقول الله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾

(الأحزاب – 59)

 

في هذه الآية، يوضح الله تعالى أن الهدف هو أن تُعرف المرأة بما يحميها من الأذى، أي أن مراعاة أعراف المجتمع في اللباس تحميها من التعرض للإساءة، خاصة إذا كان المجتمع متشدّدًا في هذا الجانب. وخَتم الآية بقوله ﴿وكان الله غفورًا رحيمًا﴾، مما يدل على أن الله لا يجعل من اللباس المختلف عن العرف ذنبًا يستوجب العقوبة الإلهية، بل إن الجزاء المتعلق بمخالفة العرف هو جزاء اجتماعي، لا شرعي.

 

أمّا الحد الأدنى الذي اشترطه الله في لباس المرأة فهو تغطية "الجيوب"، كما في قوله تعالى:

﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾

(النور – 31)

 

والمقصود بالجيوب: مواضع الجسد التي تضم الثديين، والإليتين، والإبطين، والفرج. فإذا غطّت المرأة هذه المواضع فقد أدّت الحد الأدنى المطلوب، لكن يبقى عليها أن تراعي أعراف المجتمع حتى لا تتعرض للأذى، مع العلم أن العرف يختلف من بلد لآخر.

 

ويقول تعالى في نفس الآية: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾، والزينة الظاهرة هي ما أذن الله بإظهاره، أما الزينة الباطنة فهي ما ذكر سابقًا من الجيوب. وما عدا هذه المواضع يعدّ من الزينة الظاهرة التي يجوز إظهارها، بشرط مراعاة العرف والطقس.

 

ويقول تعالى:

﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا۟ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا۟ فُرُوجَهُمْ... وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾

(النور – 30 و31)

 

المقصود بغض البصر ليس الامتناع عن النظر تمامًا، بل تجنب إطالة النظر أو إقرانه بإيماءات غير أخلاقية، سواء من الرجل تجاه المرأة أو العكس. أما النظر الطبيعي أثناء التعامل فلا بأس به. ثم أمر الله الرجال والنساء معًا بحفظ الفروج، أي تنظيم العلاقة الجنسية وعدم تركها بلا ضابط، لما قد يترتب على الفوضى الجنسية من أمراض أو أعباء اجتماعية كالحمل غير المرغوب فيه.

 

كما قال تعالى في الآية نفسها: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ...﴾، أي أن الزينة الباطنة لا تُظهرها المرأة إلا أمام من تأمنهم من أهلها أو ممن أحل الله لهم رؤيتها.

محمد عبدالله

باحث حر في قضايا الدين والمجتمع

آخر تحديث: 23-08-2025 | 09:29

هاشتاك آراء

شارك

حرره

محمد الأمين أحمد

محرر أخبار وصانع محتوى تفاعلي بتكنت منذ مايو 2024

قصص ذات صلة

عام الانعطاف الواثق: من التأسيس إلى التثبيت.. محمد ناجي أحمدو

"ملك اليمين" قراءة معاصرة بقلم الباحث في قضايا الدين والمجتمع محمد عبد الله

الأدب الأفريقي: تجربة غنية مع أبرز الأدباء والكتّاب

فيديو الأسبوع