شهد اليومان الأخيران تطورات عسكرية وأمنية لافتة على الشريط الحدودي الشمالي لموريتانيا، وذلك بالتزامن مع التصعيد في لغة الخطاب السياسي الرسمي المغربي والصحراوي حول أزمة إغلاق معبر الكركرات، وتلويح الطرفين المتجدد باستخدام القوة والسلاح.
وتأتي هذه التطورات بعد نحو ثلاثة أسابيع من إغلاق المعبر من طرف مدنيين صحراويين تدعمهم جبهة البوليزاريو، وهو ما أدى إلى وقف حركة التبادل التجاري البرّي بين المغرب وموريتانيا ومنها إلى دول إفريقية أخرى عديدة، في أطول أزمة من نوعها بالمعبر منذ توقيع اتفاق السلام برعاية الأمم المتحدة عام 1991.
الجيش الموريتاني يستنفر
استنفر الجيش الموريتاني وحداته على طول الشريط الحدودي الشمالي، كما أخضع المنقبين التقليديين عن الذهب الذين يمرون من المنطقة العسكرية المغلقة باتجاه مناطق التنقيب المرخصة إلى إجراءات الرقابة المشددة.
وأدى القائد المساعد لأركان الجيوش اللواء المختار ولد بل زيارة للمنطقة العسكرية الأولى في نواذيبو المحاذية لمعبر الكركرات، التقى خلالها بقادة وحدات المنطقة، فيما ذكرت مصادر إعلامية أن الزيارة تأتي لمتابعة تطور ومستجدات الوضع بالمنطقة الحدودية الحساسة في الوقت الراهن.
ويخلو موقع الجيش من أي ذكر لزيارة القائد المساعد للأركان، وهو ما يعزز التحليلات التي تشير إلى طابعها الأمني، كما لم يعلق الجيش على إجراءاته الجديدة بالشمال، في تناغم تام مع التعاطي الرسمي المشوب بحذر شديد تجاه أزمة الكركرات؛ حيث لم يصدر عن وزارة الخارجية أي موقف حتى الآن.
وبالتزامن مع استنفار الجيش الموريتاني، نقلت وسائل إعلام مغربية وصحراوية معلومات حول تحرك عسكري مغربي خلال الأيام الأخيرة، تمثل في استقدام وحدات مسلحة من الجيش والدرك الملكيّين إلى الجدار العازل بالقرب من الكركرات، كما تشير معطيات أخرى إلى تعزيز البوليزاريو حضورها المسلح في المنطقة.
خطاب القوة والتصعيد
وتزايدت مؤخرا حدة التصعيد في لغة الخطاب السياسي لدى المسؤولين المغاربة والصحراويين تعليقا على أزمة إغلاق معبر الكركرات، ووصل الأمر إلى تلويح الأطراف باستخدام القوة والسلاح في مواجهة الأمر الواقع.
وجاء في بيان للحكومة الصحراوية أول أمس الثلاثاء: "إن دخول أي عنصر عسكري أو أمني أو مدني مغربي في ذلك الجزء من المناطق المحررة من الجمهورية الصحراوية أو ما يسمى بالشريط العازل سيعتبر عدواناً صارخاً، سيكون على الطرف الصحراوي أن يرد عليه بكل حزم دفاعاً عن النفس وعن السيادة الوطنية، وهو ما سيعني أيضاً نهاية أتفاق وقف إطلاق النار وفتح الباب أمام اشتعال فتيل حرب جديدة في كامل المنطقة".
بيان الحكومة الصحراوية جاء بعد يومين من خطاب للملك المغربي محمد السادس، علق فيه على أزمة المعبر بالقول إن المغرب "لن تؤثر عليه الاستفزازات العقيمة، والمناورات اليائسة، التي تقوم بها الأطراف الأخرى، والتي تعد مجرد هروب إلى الأمام، بعد سقوط أطروحاتها المتجاوزة"، مؤكدا أن المغرب "سيتصدى، بكل قوة وحزم، للتجاوزات التي تحاول المس بسلامة واستقرار أقاليمه الجنوبية".
وإلى جانب خطاب الملك وبيان الحكومة، تعج وسائل الإعلام المغربية والصحراوية بتصريحات حادة من المسؤولين والمحللين والنشطاء المقربين من دوائر صنع القرار، تعكس مستوى التوتر الذي وصلت إليه الأزمة الجديدة.
وبينما يعتبر مراقبون لشأن قضية الصحراء الغربية أن هذه التطورات تؤكد الاحتمال المطروح بتجدد الحرب بين المملكة المغربية وجبهة البوليزاريو في قادم الأيام، وهو ما ينذر بمخاطر أمنية واجتماعية كبيرة تفرض على دول المنطقة العمل بأقصى درجات التأهب، يرى آخرون أن أزمة المعبر الأولى من نوعها منذ فترة طويلة شكلت بالنسبة للأطراف المتنازعة فرصة مواتية للمناورة والاستخدام كورقة ضغط دولي لتحقيق مكاسب جديدة بعد فترة ركود طويلة للملف الصحراوي داخل أورقة الهيئات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.
مسؤول قسم المقابلات